هل يمثل شهر رمضان فرصة للإقلاع عن التدخين؟
هل أنت مدخن(ة)؟ هل راودتك فكرة التخلص من التبغ، إلى جانب عادات أخرى تراها سلبية، بمناسبة شهر رمضان؟ في هذا المقال التفسيري، نغوص في مدى واقعية اعتبار الصيام فرصة للإقلاع عن التدخين، ونكشف لك أسرار هذه الرحلة، والتحديات التي قد تعترض طريقها، والمراحل الطبية المعتمدة من الأطباء لمساعدة المدخنين على الإقلاع داخل العيادات.
إدمان التدخين...بين الجسد والسلوك..
يعد توفر الإرادة والعزيمة من الشروط الأساسية للإقلاع عن التدخين، سواء قبل رمضان أو خلاله أو بعده. فالتبغ يسبب "إدماناً جسدياً" نتيجة احتوائه على مادة النيكوتين، وفق ما توضحه طبيبة الصحة العمومية، سارة إيلاهي، المتحصلة على الماجستير في الإقلاع عن التدخين.
ويحفّز النيكوتين إفراز الدوبامين، ما يمنح المدخن شعوراً بالراحة والمتعة، لكن مع مرور الوقت، يصبح الجسم في حاجة متزايدة إلى هذه المادة، حتى لا يعاني من أعراض النقص، مثل القلق والصداع والتوتر.
إلى جانب ذلك، يتسبب التدخين في "إدمان سلوكي". فالتبغ يرتبط بمواقف وعادات يومية، مثل تدخين سيجارة بعد الإفطار، في المقهى، أو قبل النوم. هذا النوع من الإدمان هو الأصعب، وفق الدكتورة إيلاهي، لأنه يُرسَّخ في اللاّوعي ويصبح جزءاً من نمط حياة المدخن.
هل يمثل رمضان فرصة حقيقية للإقلاع عن التدخين؟
ترى الدكتورة إيلاهي أن شهر رمضان يشكل فرصة مهمة للتخفيف من استهلاك التبغ، بفضل ساعات الصيام الطويلة التي تبعد المدخن عن النيكوتين. وهو ما يمكِن أن يكون خطوة أولى نحو الإقلاع النهائي.
من جهتها، تؤكد الأخصائية في علم النفس، ياسمين خضيرة، أن مدى تأثير رمضان على الإقلاع عن التدخين يختلف من شخص لآخر، تبعاً لطبيعة إدمانه، سواء كان جسدياً، نفسياً، أو سلوكياً (أو كلها مجتمعة).
وتشرح خضيرة أن الصيام قد يساعد في تجاوز الإدمان الجسدي بمساعدته على انخفاض مستوى الدوبامين، مما يؤدي إلى تقليل حاجة الدماغ إلى النيكوتين. كما أن رمضان يفرض تغييرات سلوكية على نمط العيش، مثل غياب الجلوس في المقاهي صباحاً، أو الاستغناء عن تدخين السجائر في العمل، وهو ما قد يسهم في كسر بعض العادات المرتبطة باستهلاك التبغ.
ومع ذلك، فإن العامل الحاسم في نجاح الإقلاع يظل الدافعية. وتوضح خضيرة أن الإقلاع يكون أسهل عندما يكون دافع التدخين خارجياً، مثل الضغوط الاجتماعية، لكنه يصبح أكثر تعقيداً عندما يعتمد على الدافعية الداخلية وحدها.
الاكتئاب... عائق أمام الإقلاع
لا تقتصر تحديات الإقلاع عن التدخين على الجوانب المذكورة أعلاه فحسب، بل تمتد إلى تأثيرات أخرى قد تجعل الرحلة أكثر تعقيدا. فالتوقف عن استهلاك النيكوتين يؤدي إلى انخفاض مستوى الدوبامين في الدماغ، مما قد يسبب تقلبات مزاجية، مثل القلق والتوتر. وفي بعض الحالات، قد يحمل الإقلاع المفاجئ مخاطرا، أو قد يصبح أكثر صعوبة لمن يعانون من اضطرابات نفسية مثل الاكتئاب. لهذا السبب، تركز المختصة في علم النفس، ياسمين خضيرة، وطبيبة الصحة العمومية والمتحصلة على الماجستير في الإقلاع عن التدخين سارة إيلاهي، على وجوبية تقييم الحالة النفسية قبل البدء في رحلة الإقلاع، مع توجيه المقبل على العملية نحو مختص نفسي عند اكتشاف مؤشرات تدل على إصابته بالاكتئاب، على أن ينطلق في مراحل التوقف عن التدخين في العيادة، حال استقرار وضعه الصحي النفسي.
كيف يتم علاج الإدمان على التدخين في العيادة؟
توضح سارة إيلاهي أن علاج إدمان التبغ داخل العيادة يتطلب متابعة منتظمة مع مختص، بمعدل زيارة واحدة كل 15 يوماً. وتبدأ العملية بتقييم مستويات الإدمان والاكتئاب، ثم يتم الاتفاق على خطة للإقلاع.
ويتمثل العلاج عادة في تقليل عدد السجائر تدريجيا، مع استخدام لاصقات نيكوتين، تحتوي على جرعات محسوبة، تناهز معدل استهلاك المقلع عن التدخين سابقا، لمساعدة الجسم على التأقلم. أما في شهر رمضان، فتُستخدم هذه اللاصقات بعد الإفطار. ويتم تخفيض نسبة النيكوتين كل 28 يوماً، وفق ما تؤكده الإيلاهي لموزاييك.
70% من المدخنين نجحوا في الإقلاع داخل العيادات
بحسب تقرير نشره موقع "سكاي نيوز" عام 2024، نجح الأطباء في مستشفى الحبيب ثامر بالعاصمة تونس، سنة 2023، في مساعدة 400 مدخن، على الإقلاع النهائي عن التدخين، من أصل 600 شخص. أي أن نسبة النجاح بلغت 70%، مما يعكس فعالية العلاج الطبي الموجه للإقلاع عن التدخين.
الإدمان أم العزيمة؟
أما الأرقام الوطنية، فهي ترسم صورة مقلقة، فتونس تحتل المرتبة الأولى عربياً في عدد المدخنين. وتشير الإحصائيات إلى أن 25% من التونسيين فوق سن 15 عاماً هم من المدخنين، وفق تقرير نشره موقع "سكاي نيوز"، في جانفي 2024.
وتعكس هذه المعطيات حجم التحدي الصحي والاجتماعي الذي يواجهه المجتمع التونسي، ما يستدعي جهوداً مضاعفة في التوعية والعلاج. فهل يكون شهر رمضان نقطة تحوّل للمدخنين نحو حياة خالية من التبغ، أم أن الإدمان سيبقى أقوى من الإرادة؟
برهان اليحياوي